أبناؤنا بين الـبر والعقوق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
أما بعـد:-
فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..
أما بعـد:-
فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أحبتي في الله
أبناؤنا بين الـبر والعقوق، هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكما تعودنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً فسوف أركز الحـديث مع حضراتكم تحت هـذا العنـوان المهم في العناصر الآتية:
أولاً: حقاً إنها مأساة.
ثانياً: خطـر العقوق.
ثالثاً: فضـل البر.
رابعـــاً: حقوق تقابلها واجبات.
خامساً: إنها مسئولية المجتمع.
فأعيرونى القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
أولاً: حقاً إنها مأساة.
لا شك أن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى حب ورعاية الأولاد، بل وإلى التضحية للأولاد بكل غالي ونفيس، فكما تمتص النبتة الخضراء كل غذاء فى الحبة فإذا هى فتات، وكما يمتص الفرخ كل غذاء فى البيضة فإذا هى قشرة هشة، فكذلك يمتص الأولاد كل رحيق وعافية واهتمامومع ذلك فهما سعيدان، فإذا بالوالدين في شيخوخة فانيـة، . ولكن من الأولاد من ينسى سريعاً هذا الحب والعطاء والحنان والرعاية، ويندفع فى جحود وعصيان ونكران ليسيء إلى الوالدين بلا أدنى شفقة أو رحمة أو إحسان، وتتوارى كل كلمات اللغة على خجل واستحياء بل وبكاء وعويل حينما تكتمل فصول المأساة، ويبلغ العقوق الأسـود ذروته حينما يقتل الولد أمه، وحينما يقتل الولد أباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإليك قصة غاية فى البشاعة والإجرام والجحود.
لقد وقعت فى إحدى قرى دكرنس جريمة مروعة شنعاء هى التى دفعتني إلى الحديث اليوم عن هذا الموضوع.
فى أسرة فقيرة تتكون من عشرة أبناء، يقضى الوالد المسكين ليله ونهاره ليوفر لأبنائه العيشة الطيبة الكريمة ويلحقهم بأرقى الكليات بالجامعـة، ومن بين هؤلاء الأبنـاء ولد عاق، بدلاً من أن يساعد أباه فى نفقات هذه الأسرة الكبيرة راح يلهب ظهر والده بالمصروفات ليضيعها على المخدرات والفتيات، فقال له والده المسكين: أى بني أنا لا أقدر على نفقاتك ومصروفاتك، دعنى لأواصل المسيرة مع إخوانك وأخواتك، وأنت قد وصلت إلى كلية العلوم فاعمل وشق طريقك فى الحياة، ولكن الولد تمـرد على التقاليد والقيم وعلى سلطان البيت والأسـرة، بل وعلى سلطان الـدين، راح هذا الولد العاق يفكـر كيف يقتل أباه؟! إى والله حدث ما تسمعون!! إنه طالب فى كلية العلوم راح يستغل دراسته استغلالاً شيطانياً خبيثاً حيث أعد مادة كيمائية بطريقـة علمية معينة، وأخذ كمية كبيرة، وعاد إلى البيت، وانتظـر حتى نام أبوه المسكين، فسكب المادة الكيميائية على أبيه وهو نائم، فأذابت المادة لحم أبيه وبدت العظام، الله أكبر !! لا إله إلا الله !! لا إله إلا الله !!
والله إن الحلق ليجف، وإن القلب لينخلع، وإن العقـل ليشط، وإن الكلمات لتتوارى فى خجل وحياء، بل وبكاء وعويل، أمـام هذه المأساة المروعة الشنعاء بكل المقاييس.
قد يرد الآن عليَّ أب كريم من آبائنا أو أخ عزيز يجلس معنا ويقول إنه الفقر، قاتل الله الفقر!!
والجـواب: مع تقديرى لكل آبائي وأحبائي، ما كان الفقر سبباً ليقتل الولد أباه، وإذا أردت الدليل فخذ الحـادثة الثانية المروعـة التى طالعتنا بها جريدة الأهـرام منذ أسبوعين اثنين فقط.
أسرة ثرية وصل الوالدان فيها إلى مرتبة اجتماعية مرموقة، فالأم تحمل شهادة الدكتوراه فى الهندسة جلست هذه الأم المثقفـة لتناقش ابنها فلذة كبدها الـذى أنهى دراسته الجامعية فى أمر خطيبته التى أراد أن يتزوجها، فالأم تعارض هذا الزواج لاعتبارات وأسباب ترى أنها وجيهة من واقع خبرتها ومسؤليتها تجاه ولدها، فاحتج الولد على أمه وما كان من هذا المجـرم العاق إلا أن أسرع بسكين، ثم انقض بالسكين على أمه بطعنات قاتلة حتى فارقت الحياة، ما هذا؟!
والله إن الحلق ليجف، وإن القلب لينخلع، من هول هذه الصورة البشعة من صور العقوق للآباء والأمهات الذى حذر الله جل وعـلا منه فى أدنى صوره، وأقل أشكاله وألوانه، فقـال جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [ الإسراء: 23-24 ].
أيها المسلمون: أيها الأبناء: اعلموا علم اليقين أن العقوق كبـيرةٌ تلى كبيرة الشرك بالله وهذا هو عنصرنا الثانى.