من زل فليتب، وقد يسألنى الآن مسلم أنا أعيش فى بلد لا تطبق فيه الحدود فماذا أصنع؟ وقد وقعت فى هذه الجريمة البشعة ولا أذوق طعم النوم ولا طعم السعادة ولا طعم الراحة، كم من اتصالات وكم من أسئلة مكتوبة تعرض علينا فى كل أسبوع أقول له: أخى الحبيب.. أخى الكريم.. اعلم بأن الله عز وجل سيفرح بتوبتك إن تبت إليه وهو الغنى عنك فأنت لست ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، ووالله لو تخلى عنا برحمته طرفة عين لهلكنا، والله لو تخلى عنا برحمته طرفة عين لهلكنا، فيا من ضعفت وزللت فى هذه الكبيرة عد إلى الله واسمع نداء الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر عد إلى الله وأعلم بأن الله سيفرح بتوبتك، إن ستر الله عليك فاستر على نفسك وجدد التوبة والأوية، فإن الأصل فى الكبائر هو التوبة وليس إقامة الحد، إلا إذا وصل أمرك إلى ولى الأمر المسلم، فاستر على نفسك وجدد التوبة فإن قبل الله منك التوبة ، تولى الله تبارك وتعالى تخليص ذنبك، وتولى الله تبارك وتعالى تفريج كربك {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (88 ، 89) سورة الشعراء .
الأصل فى الكبائر هو التوبة كلكم يحفظ قصة ماعز والغامدية، لقد جاء ماعز الذى ارتكب جريمة الزنا وهو محصن جاء إلى الحبيب المصطفى إلى الرحمة المهداة والنعمة المسداة ليقول: يا رسول الله. طهرنى ، فماذا قال له المصطفى؟ قال: .. ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه .. جاء إلى النبى يطلب منه أن يقيم الحد عليه، والنبى يقول له: .. ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه .. جاء إلى النبى يطلب منه أن يقيم الحد عليه، والنبى يقول له: .. ويحك أرجع استغفر الله وتب إليه .. فرجع ماعز ولكن ما يطيق النوم وعاد إلى النبى فى اليوم التالى: يا رسول الله طهرنى لقد أصبت حداً فقال له النبى : .. ويحك إرجع استغفر الله وتب إليه .. وعاد ماعز ولكن لم يطق النوم وهؤلاء يا إخوة رباهم المصطفى على مراقبة الحى، لم يترب هؤلاء على مراقبة القانون الأعمى الذى إن رأى ساعة لا يرى فى غيرها، لكن رباهم النبى على مراقبة العلى الأعلى، فإن لم تأت به الشرطة يأتى يحركة إيمانه، يحركه خوفه من ربه، وتحركه مراقبة الله تبارك وتعالى فيأتى على قدميه مختاراً غير مكره غير مضطر.
يأتى للنبى: طهرنى يا رسول الله فقال له النبى فقال له النبى للمرة الثالثة: "ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه، فقال له ماعز: لقد اصبت حداً يا رسول الله زنيت يا رسول الله طهرنى. فأمر النبى رجلا من أصحابه أن يقوم بأن يشم رائحة فمه قال النبى لأصحابة: " أبه جنون؟ أهو عاقل؟ " قالوا: نعم يا رسول الله فأمر رجل أن يستنكهه أى أن يشم- رائحة – فمه هل شرب خمراً فلعبت الخمر برأسه، فقام أحد الصحابة فشم رائحة فمه فلم يجد بها أثرا للخمر أو فلم يجد بفمه أثراً للخمر فقال: لا يا رسول الله فحينئذ أمر رسول الله أن يقام الحد على ماعز.([11])
ومن أعجب ما قرأت من الروايات ما ذكره الشوكانى فى نيل الأوطار صححه كثير من أهل العلم، أن الصحابة عادوا إلى النبى فأخبروه وأنهم لما هموا برجم ماعز جرى فقال النبى:" هلا تركتموه؟ هلا تركتموه؟" فالإسلام ليس متعطشاً للدماء ولا لإقامة الحدود، وعلى العلمانيين الذين لا يحترمون أنفسهم ممن يختزلون قضية الشريعة كلها فى الحدود، عليهم أن يحترموا أنفسهم وأن يعلموا يقينا أن الإسلام العظيم لا يختزل فى قضية الحدود، وعليهم أن يعلموا الحدود حين تطبق لها ضوابط ولها شروط الأمر ليس متروكا هكذا فدين الله عز وجل ورب الكعبة هو طريق السعادة فى الدنيا والآخرة، لأن الله عز وجل هو خالق الإنسان، وهو وحده الذى يعلم ما يسعده وما يصلحه وما يفسده، وأكرر للمرة الثالثة قول الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك فأبشع صورة من صور انتهاك العرض هى الزنا أسأل الله عز وجل أن يطهر مجتمعنا ومجتمعات المسلمين من هذه الجرائم والكبائر الكبيرة البشعة، وأن يرد المجتمعات المسلمة إليه رداً جميلاً إنهولى ذلك والقادر عليه.. وأترك ما تبقى من جزئية العرض إلى ما بعد جلسة الاستراحة أقول هذا وأستغفر الله لى ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد..
فيا أيها الأحبة الكرام .. لاشك أيضاً أن من صور انتهاك الأعراض القذف فالكلمة تذبح عرضاً وتجرح كرامة فكما ينتهك العرض بالزنا ينتهك العرض بكلمة قذف بشعة ، لذا فقد جعل الإسلام العظيم القذف كبيرة من الكبائر تستحق الحد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4) سورة النــور فالكلمة خطيرة، يستهين الآن كثير من المسلمين والمسلمات بالكلمة، فيجلس رجل بين إخوانه فيقذف فلانا بكلمة فينتهك عرضه، ينتهك شرفه، يسئ إلى سمعته أو تجلس فلانة بين المسلمات فتنتهك عرض مسلمة من المسلمات بكلمة، هذا قول فالكلمة تجرح بل وتهدم بيوتاً آمنة مطمئنة ولله در من قال: إن ترك الألسنة تلقى التهم قذافاً دون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء فى أى وقت شاء. ثم يمضى آمنا مطمئناً، فتصبح الجماعة وتمسى وإذا أعراضها مجرحة وسمعتها مكلوثة، وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام ، وهذه حالة من الشك والقلق والريبة لا تطاق بحال من الأحوال، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (38) سورة المدثر وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7 ،
سورة الزلزلة.
وقال المصطفى كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة: .. إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا فيرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا فيهوى بها فى جهنم.([12])
وفى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم وعن أبى موسى الأشعرى أن النبى سئل أى المسلمين أفضل قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده"([13]) .. فقدم النبى اللسان على اليد، من سلم
المسلمون من لسانه ويده، وفى صحيح سنن النسائى: "إنه ما يوم يمر علينا يصبح الإنسان فيه إلا والأعضاء كلها تكفر اللسان أى تذل له وتخضع أى تقول له الأعضاء أتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن إعوججت اعوججنا".([14])
وفى الحديث الذى رواه الطبرانى وأرجو أن تتدبروا هذا الحديث رواه الطبرانى بسند صححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة بمجموع طرقه من حديث البراء بن عازب أن النبى قال: .. الربا اثنان وسبعون بابا أدناه مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطاله الرجل فى عرض أخيه . ([15]) . وفى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد من حديث ابن عمر ان النبى قال: .. من قال فى مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله رذغة الخبال
([16]) هل تعلمون شئياً عن ردغة الخبال، ردغة الخبال أيها الأحبة هى عصارة أهل النار .. الله .. الله فى
العرض والشرف، فكر ألف مرة قبل أن تنطق مرة، فإن الكلمة خطيرة، بكلمة تدخل دين الله وبكلمة تخرج من دين الله، وبكلمة تنال رضا الله وبكلمة تنال سخط الله، كلمة تستحل فرج امرأة، وبكلمة يحرم عليك فرجها، إن الكلمة فى الإسلام خطيرة فلا ينبغى أن تجلس فى المجالس هنا وهناك فى الوظائف ليقذف كل من شاء فى أى وقت شاء، فستسأل عن كل كلمة نطق بها لسانك فى هذه الدنيا فى يوم ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
يا هاتكا حرم الرجال وتابعا
من يزن فى قوم بألفى درهم
إن الزنا دين إذا استقرضته
طرق الفساد فأنت غير مكرم
فى قومه يزنى بربع الدرهم
كان الوفا من أهل بيتك
الزنا أبشع صور انتهاك العرض والقذف فالكلمة صورة خطيرة وكبيرة بشعة من صور انتهاك العرض.
أيها الأحبة .. ورب الكعبة ما أحوج الأمة إلى هذا الشرع المحكم المطهر، إلى أن ترجع من جديد إلى طريق السعادة والنجاة فى الدنيا والآخرة، إلى كتاب ربها وإلى سنة الحبيب نبيها .. فإن الإسلام دين السلم، دين التسامح، إن الإسلام دين الفضائل، إن الإسلام دين الشمائل، إن الإسلام دين الله الذى يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، البشرية الآن كلها تحترق لا يمكن أبدا أن تفتح تلفازاً أو إذاعة من الإذاعات إلا وستفاجأ بجرائم القتل البشعة وجرائم وإنتهاك العرض المخرج هو العودة من جديد إلى الله ورسوله قال الله جل وعلا: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (123 ، 124) سورة طـه
نسأل الله أن يرد إليه الأمة ردا جميلاً، اللهم استر عوراتنا، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أستر أعراضنا وأستر نساءنا، اللهم استر بناتنا، اللهم لا تمكن من نسائنا ولا بناتنا ذئبا بشريا من ذئاب البشر الجائعة يارب العالمين.